حكم سب الدين وما يتعلق به من احكام - اسال و اتعلم

اخبار الموقع

اسال و اتعلم

مدونة دعوية تهتم بنشر العلم الشرعي وتعاليم الاسلام

02‏/08‏/2020

حكم سب الدين وما يتعلق به من احكام

حكم سب الدين عن قصد او بدون قصد 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أجمع أهل العلم على أن سب الله او سب الرسول صلى الله عليه وسلم او سب الدين كفر بالله عز وجل، فإذا وقع من مسلم فقد ارتد عن الإسلام، عياذا بالله من ذلك، ولا يعذر بالجهل، ومن باب أولى لا يعذر بالغضب، لأنه لا يعذر به في شيء ما لم يبلغ به غضبه إلى حالة لا يدرك معها ما يقول، فحينئذ يعذر لأنه يعتبر فاقدا للعقل الذي هو مناط التكليف، أما إذا صدر منه السب وهو يدرك ما يقول فلا عذر له، سواء كان مازحاً أو جاداً ، معتقدا الكفر ، أو جرت عادته بذلك من غير اعتقاد للكفر وقصده لا شك أنه كافر خارج عن الملة
 وقد قال الله تعالى: [وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ] (التوبة: 65-66).
وقد نزلت في أناس لم يعلنوا بسب الدين صراحة، لكنهم طعنوا في حملته ونقلته فقالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، فكيف بمن تجرأ وسب الدين رأسا؟

وعلى ذلك فمن سب الدين -والعياذ بالله- وجب عليه أن يراجع دينه مرة أخرى بتوبة صادقة، والذي ننصح به من وقع في ذلك أن يغتسل ويشهد الشهادتين ويتوب إلى الله تعالى، وأن يكثر من الاستغفار والعمل الصالح، وأن يعلم أن باب التوبة مفتوح أمام العبد من جميع الذنوب كبيرها وصغيرها.

 قال الشيخ ابن باز في فتاوى نور على الدرب: أجمع العلماء قاطبة على أن المسلم متى سب الدين أو تنقصه، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو انتقصه، أو استهزأ به؛ فإنه يكون مرتدا كافرا حلال الدم والمال، يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وبعض أهل العلم يقول: لا توبة له من جهة الحكم بل يقتل، ولكن الأرجح إن شاء الله أنه متى أبدى التوبة وأعلن التوبة ورجع إلى ربه عز وجل أن يقبل، وإن قتله ولي الأمر ردعا لغيره فلا بأس، أما توبته فيما بينه وبين الله فإنها صحيحة، إذا تاب صادقا فتوبته فيما بينه وبين الله صحيحة. اهـ.

واتفق الفقهاء على أنه إذا ارتد أحد الزوجين حيل بينهما، فلا يقربها بخلوة ولا جماع ولا غير ذلك، ثم اختلفوا هل يقع بذلك طلاق أم لا؟ وهل يحتاج إلى عقد جديد بعد توبته أم لا؟

إذا كان سب الدين او الاستهزاء به عن شدة غضب واختلال عقل فله حكم آخر، والغضب عند أهل العلم له ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يشتد غضبه حتى يفقد عقله وحتى لا يبقى معه تمييز من شدة الغضب فهذا حكمه حكم المجانين والمعاتيه لا يترتب على كلامه حكم لا طلاقه ولا سبه ولا غير ذلك، يكون كالمجنون لا يترتب عليه حكم.
المرتبة الثانية: دون ذلك، اشتد معه الغضب وغلب عليه الغضب جدًا حتى غيَّر فكره وحتى لم يضبط نفسه واستولى عليه استيلاء كاملًا حتى صار كالمكره والمدفوع الذي لا يستطيع التخلص مما في نفسه لكنه دون الأول، لم يزل شعوره بالكلية، ولم يفقد عقله بالكلية، لكن معه شدة غضب بأسباب المسابة والمخاصمة والنزاع الذي بينه وبين بعض الناس، بينه وبين أهله أو زوجته أو أبيه أو أميره أو غير ذلك،
  فهذا اختلف فيه العلماء:
فمنهم من قال: حكمه حكم الصاحي وحكم العاقل ... تجري فيه أحكام يقع طلاقه، ويرتد بسبه الدين، ويحكم بقتله وردته، ويفرق بينه وبين أهله بين زوجته. 
ومنهم من قال: يلحق بالأول الذي فقد عقله؛ لأنه أقرب إليه؛ ولأن مثله مدفوع مكره إلى النطق لا يستطيع التخلص من ذلك لشدة الغضب، وهذا القول أظهر وأقرب، وأن حكمه حكم من فقد عقله في هذا المعنى في عدم وقوع طلاقه وفي عدم ردته؛ لأنه يشبه فاقد الشعور بسبب شدة غضبه واستيلاء سلطان الغضب عليه حتى لم يتمكن من التخلص من ذلك.
 واحتجوا على هذا بقصة موسى عليه الصلاة والسلام فإنه لما وجد قومه على عبادة العجل اشتد غضبه عليهم وجاء وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه، مع شدة غضب فلم يؤاخذه الله لا بإلقاء الألواح، ولا بجر أخيه وهو نبي مثله هارون من أجل شدة الغضب، ولو ألقاها تهاونًا بها وهو يعقل الإنسان لكان هذا عظيمًا، ولو جر النبي بلحيته أو رأسه وآذاه صار كفرًا، لو جره إنسان، لكن لما كان موسى في شدة الغضب العظيم غضبًا لله جل جلاله - على ما جرى من قومه سامحه الله ولم يؤاخذ بإلقاء الألواح ولا بجر أخيه هذه من حجج الذين قالوا: إن طلاق هذا - الذي اشتد به الغضب - لا يقع وهكذا سبه لا تقع به الردة، وهو قول قوي ظاهر وله حجج أخرى كثيرة بسطها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والعلامة ابن القيم واختارا هذا القول.
وهذا القول أرجح عندي وهو الذي أفتي به؛ لأن من اشتد غضبه ينغلق عليه قصده ويشبه المجنون بتصرفاته وكلامه القبيح، فهو أقرب إلى المجنون والمعتوه منه إلى العاقل السليم، فهذا القول أظهر وأقوى ولكن لا مانع من كونه يؤدب بعض الأدب إذا فعل شيئًا من أسباب الردة من وجوه الردة من باب الحيطة، ومن باب الحذر من التساهل بهذا الأمر، أو وقوعه منه مرة أخرى إذا أدب. من باب الضرب أو السجن أو نحو ذلك، هذا قد يكون فيه مصلحة كبيرة لكن لا يحكم عليه بحكم المرتدين من أجل ما أصابه من شدة الغضب التي تشبه حال الجنون، والله المستعان.
أما المرتبة الثالثة: فهو الغضب العادي الذي لا يزال معه العقل ولا يكون معه شدة تضيق عليه الخناق وتفقده ضبط نفسه بل هو دون ذلك، غضب عادي يتكدر ويغضب لكنه سليم العقل سليم التصرف، فهذا عند جميع أهل العلم تقع تصرفاته، يقع بيعه وشراؤه وطلاقه وغير ذلك؛ لأن غضبه خفيف لا يغير عليه قصده ولا قلبه، والله أعلم.(ابن باز رحمه الله)

وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: الاستهزاء بدين الله أو سب دين الله أو سب الله ورسوله، أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة، ومع ذلك فإن هناك مجالاً للتوبة منه؛ لقول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(الزمر) فإذا تاب الإنسان من أي ردة توبة نصوحاً استوفت شروط التوبة فإن الله تعالى يقبل توبته اهـ.

والذي ننصح به من وقع في ذلك أن يغتسل ويشهد الشهادتين ويتوب إلى الله تعالى، وأن يكثر من الاستغفار والعمل الصالح، وأن يعلم أن باب التوبة مفتوح أمام العبد من جميع الذنوب كبيرها وصغيرها، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
[الفرقان: 68-70].

فاذا تاب وندم ورجع وأسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهما على نكاحهما الأول . ( وعدة المرأة هي : ثلاث حيضات إن كانت تحيض ، وثلاثة أشهر إن كانت آيسة لا تحيض ، ووضع الحمل إن كانت حاملاً ) وهذا هو مذهب الشافعي وأحمد ، وهو مذهب مالك .
ودلت على ذلك وقائع كثيرة في السنة .
منها : أن امرأة صفوان بن أمية أسلمت يوم فتح مكة ثم أسلم هو بعدها بنحو من شهر ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما ، ولا أمرهما بتجديد العقد ، وبقيت عنده بالنكاح الأول . قال ابن عبد البر رحمه الله : وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده اهـ .

فاذا تاب وندم ورجع وأسلم بعد انقضاء العدة فهذا مما اختلف فيه أهل العلم :
فمذهب الشافعية والحنابلة : أنه إن عاد إلى الإسلام قبل انقضاء عدة زوجته ، فنكاحه باق كما هو .
وإن انقضت العدة قبل رجوعه للإسلام وقعت الفرقة ، وليس له أن يرجع إلى زوجته إلا بعقد جديد .
ومذهب الحنفية والمالكية أن الردة توجب الفرقة في الحال ، ولو كان ذلك بعد الدخول .
وينظر : "المغني" (7/ 133) ، "الموسوعة الفقهية" (22/ 198) ، "الإنصاف" (8/ 216 )، "كشاف القناع" (5/ 121 )، "تحفة المحتاج" (7/ 328 )، "الفتاوى الهندية" (1/ 339 )، "حاشية الدسوقي"(2/ 270).

فإن تاب بعد العدة وأراد أن يتزوجها فلا بأس ، ويكون بعقد جديد أحوط خروجاً من خلاف العلماء ، وإلا فإن بعض أهل العلم يرى أنها تحل له بدون عقد جديد ، إذا كانت تختاره ، ولم تتزوج بعد العدة بل بقيت على حالها ، فإن الأكثرين يقولون : متى خرجت من العدة بانت منه وصارت أجنبية لا تحل إلا بعقد جديد ، فالأولى والأحوط أن يعقد عقداً جديداً ، هذا إذا كانت قد خرجت من العدة قبل أن يتوب .
وليستحضر ما أشرنا إليه من أن بعض الفقهاء رأى ذلك موجباً لوقوع الطلاق، كما هو المشهور في مذهب الإمام مالك، فلو صدر ذلك من الزوج ثلاث مرات لم تحل له زوجته حتى تنكح زوجاً آخر، ولو صدر منه مرة وقد سبق له التطليق مرتين، فكذلك أيضاً، وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى ، ووقانا جميعاً نزغات الشيطان.
الخلاصة: أن من سب الله أو رسوله أو دينه أو كتابه جاداً كان أو هازلاً فهو كافر. أما من فعل ذلك غاضباً وهو لم يملك نفسه ولا يدري ما يقول فإنه لا يكفر؛ لأنه لا اعتداد بقوله بل هو حكم المجنون، ولكن ينبغي عليه إذا أفاق وذهب عنه الغضب أن يراجع نفسه ويستغفر الله تعالى ويطهر لسانه من هذا الشيء القبيح. ويتعود ذكر الله تعالى والثناء عليه، فإذا تعود لسانه ذلك فإنه لن ينطق بالسباب ولو عند الغضب. انتهى.

المصدر : فتاوي اللجنة الدائمة. وفتاوي نور علي الدرب للشيخ بن باز رحمه الله ، وفتاوي الشيخ ابن عثيمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اعلان اسفل الصفحة