الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
جاء في "مجموع فتاوى" شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (29/ 538): " وسئل:
عمن له على شخص دين، وأرهن عليه رهنا، والدين حالٌّ، ورب الدين محتاج إلى دراهمه، فهل يجوز له بيع الرهن؟ أم لا؟
فأجاب: إذا كان أذن له في بيعه: جاز. وإلا؛ باع الحاكم إن أمكن، ووفاه حقه منه .
ومن العلماء من يقول: إذا تعذر ذلك، دَفَعه إلى ثقة يبيعه ، ويحتاط بالإشهاد على ذلك ، ويستوفي حقه منه، والله أعلم" انتهى.
أولا:
يجوز توثيق الدين برهن، أو كفيل، أو بهما معا.
كما جاء في "المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة"، ص 115 : " ينبغي أن تطلب المؤسسة من العميل ضماناتٍ مشروعةً في عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء. ومن ذلك حصول المؤسسة على كفالة طرف ثالث، أو رهن الوديعة الاستثمارية للعميل، أو رهن أي مال منقول أو عقار، أو رهن السلعة محل العقد رهنا ائتمانيا (رسميا) دون حيازة، أو مع الحيازة للسلعة وفك الرهن تدريجيا حسب نسبة السداد" انتهى.
ثانيا:
إذا وُثق الدين برهن، وكفيل، وتأخر المدين عن السداد في الوقت: جاز للدائن مطالبة الكفيل، ولا يجب أن يبدأ بالرهن. بل ليس له أن يبادر ببيع الرهن من تلقاء نفسه، ابتداء؛ فإن الأصل أن الحاكم هو من يبيع الرهن ليوفي الدائن دينه.
قال في "زاد المستقنع" ص115: " ومتى حلّ الدين وامتنع من وفائه، فإن كان الراهن أذن للمرتهن في بيعه: باعه، ووفّى الدين. وإلا؛ أجبره الحاكم على وفائه، أو بيع الرهن. فإن لم يفعل، باعه الحاكم ووفّى دينه " انتهى .
لكن إذا حصل اتفاق بين الدائن والمدين، على أن الدائن يبيع الرهن إذا تعثر المدين في السداد، أو تأخر عن موعده، ويستوفي منه دينه: فلا حرج.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (11/ 321): " واتفق الفقهاء على أنه يجوز للراهن أن يبيع الرهن بإذن المرتهن" انتهى.
فإذا لم يأذن له في بيعه، ولم يوجد قاضٍ مسلمٌ، أو تعذر الوصول إليه: أعطي الرهنُ لثقة ليبيعه.
ثالثا:
إذا كان الدائن مفوضا في بيع الرهن، فله أن يبدأ ببيع الرهن، ولا يسأل الكفيل، بل هذا مقدم عند بعض أهل العلم، إلا إن كان في إجراء بيع الرهن وتوثيقه طول، فإنه يبدأ بالكفيل.
جاء في "المعيار المعرب" للونشريسي (3/ 363): " واجتماع الضامن، والرهن المفوض في بيعه، كحضور الضامن والمضمون عنه؛ فتكون البداية بالرهن، لا بالضامن؛ على المشهور.
إلا أن يكون في تثبيت مقدمات بيع الرهن [طول، فله مطالبة الضامن] ... وبه جرى العمل" انتهى.
وينظر: "حاشية المعداني على شرح ميارة على تحفة الحكام" (1/ 194) وما بين المعكوفتين منه.
وعلى هذا، فإن بدأ الدائن بالرهن، فإنه يباع، على ما سبق شرحه، ويستوفي منه حقه، ويرد الباقي، ولا يجوز أن يستولي على الرهن كله، مهما بلغ؛ لأن ذلك منهي عنه، ويسمى غلق الرهن.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ) أخرجه الشافعي في المسند (2/ 164)؛ وابن ماجه (2441)؛ وابن حبان (5934) والدارقطني (3/ 32) والحاكم (2/ 51) والبيهقي (6/ 39) وصححه ابن حبان والدارقطني والحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وإن شرط أنه متى حل الحقُّ، ولم يوفني: فالرهن لي بالدين. أو: فهو مبيع لي بالدين الذي عليك: فهو شرط فاسد.
روي ذلك عن ابن عمر وشريح والنخعي، ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم أحدا خالفهم.
والأصل في ذلك: ما روى معاوية بن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يَغْلق الرهن رواه الأثرم.
قال الأثرم قلت: لأحمد ما معنى قوله: لا يغلق الرهن؟
قال: لا يَدفع رهنا إلى رجل، ويقول: إن جئتك بالدراهم إلى كذا وكذا، وإلا فالرهن لك.
قال ابن المنذر: هذا معنى قوله: لا يغلق الرهن عند مالك والثوري وأحمد.
وفي حديث معاوية بن عبد الله بن جعفر أن رجلا رهن دارا بالمدينة إلى أجل مسمى، فمضى الأجل، فقال الذي ارتهن: منزلي. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يغلق الرهن" انتهى من "المغني" (4/ 287)
رابعا:
يشترط في حال بيع الرهن، أن يباع بثمن المثل، فإن بيع بأقل من ذلك لم يصح.
قال في "مغني المحتاج" (3/ 71): " (ولا يبيع العدلُ) المرهونَ (إلا بثمن مثله، حالاً، من نقد بلده)، كالوكيل، فإن أخل بشيء منها لم يصح البيع.
لكن لا يضُر النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به الناس، لأنهم يتسامحون فيه " انتهى.
خامسا:
الأصل أن للدائن أن يطالب الكفيل، أو المكفول عنه.
قال في "كشاف القناع" (3/ 364): "ولصاحب الحق: مطالبةُ من شاء منهما)؛ أي: من المضمون عنه، والضامن؛ (لثبوته) أي: الحق (في ذمتيهما جميعا)، فلا يبرأ المضمون عنه بمجرد الضمان، كما يبرأ المُحيل، بل يثبت الحق في ذمتيهما جميعا، لصحة هبته لهما. ولأن الكفيل لو قال: تكفلت بالمطالبة، دون أصل الدين: لم يصح اتفاقا، ذكره في المبدع" انتهى.
وذهب المالكية في المشهور، إلى أن المضمون إذا كان حاضرا، مليئا، فليس للدائن مطالبة الضامن، إلا إذا كان قد شرط أنه يطالب أيهما شاء.
وينظر: "شرح الدردير على مختصر خليل" (3/ 337).
ويحق للكفيل اشتراط ترتيب الكفالة، فيشترط ألا يطالَب إلا عند عجز المدين، أو امتناعه.
جاء في "المعايير الشرعية" ص 132: "للدائن حق مطالبة المدين أو الكفيل، وهو مخير في مطالبة أيهما شاء.
ويحق للكفيل اشتراط ترتيب الكفالة، مثل أن يطالب الدائنُ المدين أولاً، فإذا امتنع يرجع على الكفيل" انتهى.
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق