بـســم الله الــرحـمــن الــرحـيـم
لماذا خلق الله الشيطان
وما الحكمة من خلقه
أما بعد:
يُقصد بالشيطان من الناحية
الاصطلاحيّة: كلِّ متمرِّد بأفعاله وأقواله على أمر الله تعالى، سواء كان من
الجنِّ أو من الإنس، فالشيطنة صفةٌ لا يختصّ بها إبليس وحده وإن كان هو زعيم
الشياطين، ويؤيّد هذا الفهم قوله سبحانه: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ
نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ
زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا"(الأنعام.120)
وربما كان شيطان الإنس أخطر من
شيطان الجن كما قال أحد السلف: "رأيت الشيطان فقال لي: قد كنت ألقى الناس
فأُعَلِّمَهَم، فصرت ألقاهم فأتعلّمُ منهم" وشيطان الجن خُلق من النار، وله
جسمٌ لطيف لا يُرى، قال تعالى: "إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ
حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ" ( الأعراف: 27)
لكنه قد يظهر لبني آدم بصورٍ مختلفة،
كما تمثل لأبي هريرة حين كان يحرس الصدقة في صورة إنسان سائل يشكو الحاجة وكثرة
العيال، وقد قَالَ الشَّعْبِيّ : سَأَلَنِي رَجُل فَقَالَ: هَلْ لِإِبْلِيس
زَوْجَة؟ فَقُلْت: إِنَّ ذَلِكَ عُرْس لَمْ أَشْهَدهُ، ثُمَّ ذَكَرْت قَوْله:
"أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّته أَوْلِيَاء" فَعَلِمْت أَنَّهُ لا
يَكُون له ذُرِّيَّة إِلا مِنْ زَوْجَة، فَقُلْت: نَعَم" . والشيطان لا يعلم
الغيب كما أشار الله إلى ذلك في قصة سليمان فقال: "فَلَمَّا قَضَيْنَا
عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ
تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ"( سبأ: 14)
أن الله خلق الشياطين ليمتحن بها بنى
آدم هل يستجيبون لأمر الله أو لأمر الشيطان ، وإيمان المؤمن لا تكون له قيمته إذا
كان نابعا منه ذاتيا بحكم أنه خلق مؤمنا كالملائكة ، فإن استقر الإيمان بعد الانتصار
فى معركة الشيطان الذى أقسم أن يغوى الناس أجمعين كان جزاء هذا المؤمن عظيمًا،
لأنه حصل بتعب وكد ومجاهدة ، دفع بها أجر الحصول على تكريم الله له.
ولذك لابد من ان يكون هناك معركة بين
الخير والشر في الدنيا ، لتتناسب مع خلق الله لأدم على وضع يتقلب فيه بين الطاعة
والمعصية ، وقد تزعَّم الشيطان، هذه المعركة انتقامًا من آدم الذى طرد من
الجنة بسبب عدم السجود له.
وتكمن الحكمة في بقاء إبليس إلى آخر
الدهر في امتحان العباد، ومجازاة الشيطان على صالح عمله السابق، وليتولى به
المجرمين، وليزداد إثماً لأنه حلف على اقتطاع عباده، وصدهم عن عبوديته، فعندما رفض
الشيطان السجود لآدم، طرده الله من جنته ورحمته، ولعنه، وأخذ على نفسه العهد أمام
ربّ العزة بأن يغوي البعاد فقال:
" قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك
المستقيم . ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد
أكثرهم شاكرين " (الأعراف : 16 ، 17) .
وقد حذر الله بني ادم جميعا من طاعة
الشيطان والخضوع له واتباع هواه فقال ، " ألم أعهد إليكم يا بنى اثم أن لاتعبدوا
الشيطان إنه لكم عدو مبين } وقال : {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا" (فاطر: 6) .
الشيطان هو عدو الإنسان الذي أقسم على
أن يقعد له على الصراط المستقيم و يسعى في غوايته، فعلى مستوى المعتقدات يلقيه في
الاشتباه و الوهم، و يدعوه إلى الفسق و العصيان في ميدان السلوك و العمل، فالشيطان
هو منشأ الوسواس و المكر و الخداع إلى الحد الذي يصور فيه الباطل الذي لا حقيقة له
و يظهره بمظهر الحق، فنهجه هو الاحتيال، حيث يأتي الإنسانَ من الطرق الخفية و غير
المكشوفة بالنسبة للإنسان فيخدعه و يضله من داخله و باطنه، فالشيطان باستطاعته أن
ينفذ إلى داخل جسم الإنسان و ذلك بسبب ما يمتلكه من لطافة جسمه، و لكن نفوذه ناشئٌ
عن سوء الاختيار، أي أن الإنسان نفسه يهيئ طريقاً للشيطان و يسهل دخوله إلى نفسه،
و إلا إذا ما أحكم الإنسان إرادته، فلا سبيل للشيطان للنفوذ إلى داخله.
و مع أن الإنسان لا يتمكن من رؤية
الشيطان لأنه خافٍ عليه و خارجٌ عن مدى رؤيته و لكنه من اللازم أن يكون حذراً و
مراقباً حتى يتجنب الوقوع في براثن هكذا عدو، قال تعالى: "يَا بَنِي آَدَمَ لا
يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ
يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ
هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ
أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ"(الاعراف:27)
وقد حاول العلماء إبراز الحكمة من خلق
الشيطان في مجموعةٍ من الأمور، ويمكن إجمالها في ما يلي:
1- إظهار آثار أسماء الله وصفاته:
فلو
كان الجن والإنس على طَبيعة الملائكة، لم يَظهر لنا أثَر أسماء الله كالمغفرة
والستر، ونحو ذلك من أسماء الله القهرية كالقهَّار والمنتقِم، والضار والنافع،
والخافض والرَّافع، فإذا كان الله تعالى عفوّاً، فلا بدّ من وجود عبادٍ ليعفو
عنهم، ولا بدّ للعباد أن يكون لهم ذنوب، ومن هنا خلق الله الشيطان سببا مؤديا
لوقوع تلك الذنوب. ولو لم يخلق الله من يضادّه في حكمه، وهو مع ذلك يرزقه بأنواع
الطيبات، ويعافيه، كما يكشف عنه السوء، ويجيب دعاءه لما ظهر لنا حلم الله وصبره
وسعة رحمته.
2- إظهار كمال قدرة الله تعالى في
خَلق المتضادَّات:
فقد خَلق الله السماء والأرض، والليلَ والنهار، والداءَ
والدواء، والجنَّةَ والنار، والحر والبرد، والطيب والخبيث، والخيرَ والشر،
والملائكة والشياطين، كما أنّ في خلق الأضداد المتناقضة إظهارٌ لمحاسن الضد،
فالجميل لا يظهر جماله إلا بوجود ضده ونقيضه. فلولا القبيح لَم تُعرف فضيلة
الجميل، ولولا الفقر لم يعرف قَدر الغنى، ولولا الشر لم يُعرف الخير وفضله.
3- زيادة خوف المؤمنين والملائكة من
ذنبهم:
وذلك حينما يدركون ما حلّ بإبليس من اللعنة، ففي ذلك عبرةً وآيةً لكلّ من
خالف أوامر الله تعالى الأمر الذي دفعهم لعبادة الله عبادة أخرى، والخوف والخضوع
له..
4- إظهار العبودية لله:
فقد أراد الله
تعالى بخلق إبليس أن يستكمل عبودية أصفيائه من خَلْقه، وتتجلى تلك العبودية في
مجاهدتهم للشيطان، فلو أن الله لم يخلق إبليس لما ظهرت عبودية الجهاد في سبيل الله
إذ سيكون كل الناس مؤمنين. ولما ظهرت عبودية الصبر على ترك الهوى، ولما ظهرت
وعبودية الاستعاذة بالله تعالى، حيث إنّ الإنسان حين يخشى من عدوٍ ما يستعيذ بالله
تعالى أن يعصمه من كيد ذلك العدو. ولولا وجود الشيطان لما ظهرت عبودية التوبة
والاستغفار من الذنوب المكروهة التي سببها الشيطان.
5- أن في خلق من يضاد رسله ويكذبهم
ويعاديهم من تمام ظهور آياته وعجائب قدرته ولطائف صنعه ما وجوده أحب إليه وأنفع
لأوليائه من عدمه :
كما تقدم من ظهور آية الطوفان والعصا واليد وفلق البحر وإلقاء
الخليل في النار وأضعاف أضعاف ذلك من آياته وبراهين قدرته وعلمه وحكمته فلم يكن بد
من وجود الأسباب التي يترتب عليها ذلك كما تقدم .
6- أنه سبحانه يحب أن يظهر لعباده
حلمه وصبره وأناته وسعة رحمته وجوده : فاقتضى ذلك خلق من يشرك به ويضاده في حكمه
ويجتهد في مخالفته ويسعى في مساخطه بل يشبهه سبحانه، وهو مع ذلك يسوق إليه أنواع
الطيبات ويرزقه ويعافيه ويمكن له من أسباب ما يلتذ به من أصناف النعم ويجيب دعاءه
ويكشف عنه السوء ويعامله من بره وإحسانه بضد ما يعامله هو به من كفره وشركه
وإساءته ، فلله كم في ذلك من حكمة وحمد ، ويتحبب إلى أوليائه ويتعرف بأنواع
كمالاته كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا أحد أصبر على أذى
يسمعه من الله يجعلون له الولد وهو يرزقهم ويعافيهم" وفي الصحيح عنه صلى الله
عليه وسلم فيما يروي عن ربه "شتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك وكذبني ابن آدم
وما ينبغي له ذلك أما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم
ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد وأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس
أول الخلق بأهون عليه من إعادته" (البخاري4482)
وهو سبحانه مع هذا الشتم له والتكذيب يرزق
الشاتم المكذب ويعافيه ويدفع عنه ويدعوه إلى جنته ويقبل توبته إذا تاب إليه ويبدله
بسيآته حسنات ويلطف به في جميع أحواله ويؤهله لإرسال رسله ويأمرهم بأن يلينوا له
القول ويرفقوا به. قال الفضيل بن عياض: ما من ليلة يختلط ظلامها إلا نادى الجليل
جل جلاله: من أعظم مني جودا، الخلائق لي عاصون وأنا أكلأهم في مضاجعهم كأنهم لم
يعصوني وأتولى حفظهم كأنهم لم يذنبوا، أجود بالفضل على العاصي وأتفضل على المسيء،
من ذا الذي دعاني فلم ألبه ومن ذا الذي سألني فلم أعطه أنا الجواد ومني الجود أنا
الكريم ومني الكرم ومن كرمي أني أعطي العبد ما سألني وأعطيه ما لم يسألني ومن كرمي
أني أعطي التائب كأنه لم يعصني فأين عني يهرب الخلق وأين عن بابي يتنحى العاصون.
وهناك اسباب اخري خفيه لا يعلمها الا
الله سبحانه وتعالي ولكن علينا ان نحذر من اساليب الشيطان في اغواء بني آدم واليك
بعض طرق اغواء الشيطان لبني آدم :
لا بد للمسلم أن يعلم أن هناك
قَرِينًا من الشيطان مُلازِمًا له، يتربّص به من يوم ولادته إلى وفاته، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ
مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ وَإِيَّايَ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا
بِحَقٍّ" (صحيح مسلم) .
لكن المؤمن يقهر شيطانه بطاعة الله حتى يكون ضعيفا لا
يستطيع أن يمنعه من الخير ولا يوقعه في الشر إلا ما شاء الله، والعاصي بمعاصيه
يُعين شيطانه حتى يُقوِّى على تشجيعه على فعل المنكر، وإبعاده عن فعل الخيرات.
وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إِنَّ الشَّيطَانَ يَحضُرُ أَحَدَكُم عِندَ كُلِّ شَيْءٍ مِن شَأنِهِ"
(صحيح مسلم) .
فقد يعترض للإنسان في المنام فيخيفه بالأحلام فيحزن بذلك، حتى قيل
للحسن البصري : "أينامُ ابليس؟ فقال: لو نام لوجدنا راحة" ( كتاب الزهد
للإمام أحمد ) .
هذا وأول ما يريد الشيطان من العبد
هو: إيقاعه في الشرك والكفر:
فلا يزال به حتى ينال منه، فإذا ظفر به فقد ظفر
بكلِّ مراده واستراح من تعبه معه. لأن الشِّرك والكفر سببًا للخلود في النار، لأن
الله يقول : "إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ" ( النساء:48 ) فإن يئس منه من ذلك وكان ممن سبق
له الإسلام في بطن أمه نقله إلىالمرتبة الثانية من الشر وهي: توريطه في البدع :
والبدع هي بريد الكفر وطريقه، وإذا كان الكفر سببًا لحبوط الأعمال فإنَّ البدعة
سبب لعدم قبولها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو
ردّ" (متفق عليه).
فالبدعة أحب إلى الشيطان من المعاصي، لأن ضررها متعد وقد لا
يُتاب منها لأن المبتدع يرى نفسه على الطاعة، وهكذا يصير المبتدع نائبا للشيطان
وداعيا من دعاته إلى البدعة ومخالفة الرسل. فإن أعجزه ذلك وكان العبد ممن سبق له
من الله موهبة السنة ومعاداة أهل البدع نقله إلى المرتبة الثالثة من الشر وهي:
التحريض على الكبائر والفواحش، فهو أشد حرصا على أن يوقعه فيها، ولاسيما إن كان
عالما متبوعا فهو حريص على ذلك لينفر الناس عنه. فإذا يأس الشيطان من أن يوقع
المسلم في كبائر الذنوب، قعد له في طريق الصغائر وزينها حتى يُبديها له في منظر
المباحات، حتى إذا اجتمعت عليه أهلكته؛ كما قال النبي : "إِيَّاكُمْ
وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى
يُهْلِكْنَهُ" ( رواه أحمد ). فإذا وجد الشيطان من العبد قوَّةً وثباتًا على
الحقِّ، انتقل به إلى المرتبة الخامسة من الشر وهي: إشغاله بالمباحات التي لا ثواب
فيها ولا عقاب:
بل عاقبتها فوت الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها. فإن أعجزه
العبد من هذه المرتبة وكان حافظا لوقته شحيحا به يعلم مقدار أنفاسه وانقطاعها وما
يقابلها من النعيم والعذاب، نقله إلى المرتبة السادسة حيث يدخله من باب العبادة
نفسها، فيقلب له حقائقها، ويشغله بمفضولها عن فاضلها، حتى يضيِّع عليه الثواب
الحاصل منها:
كأن يُزيِّن له قراءة القرآن وقت الصلاة المفروضة حتى تضيع عليه
الجماعة . فإذا عجز الشيطان في إيقاع العبد في أحد هذه المراتب الست، سلط عليه
حزبه من الإنس بأنواع الأذى، ولعلّ شياطين الإنس أشدُّ خطراً على الإنسان من
شياطين الجن، وكما قال إبليس لعنة الله عليه: "كنت أعلم الناس الشر فصرت
أتعلم منهم".
وأحرص ما يكون الشيطان على إغواء بني
آدم وقت الموت؛ لأن الأعمال بخواتيمها، وقد جاء في الأثر أن الشيطان إذا علِم أن
ابن آدم يُحتضَر قال: "دونكم هذا، فإنه إن فاتكم اليوم لم تلحقوه بعد
اليوم". وفتنة الشيطان في تلك الساعة فتنة شديدة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ
منها في كل صلاة وقال: "إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُم فَليَستَعِذ بِاللَّهِ مِن
أَربَعٍ : يَقُولُ: الَّلهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِن
عَذَابِ القَبرِ، وَمِن فِتنَةِ المَحيَا وَالمَمَاتِ، وَمِن شَرِّ فِتنَةِ
المَسِيحِ الدَّجَّالِ" (رواه البخاري ومسلم)
فقد يأتي الشيطان ليحول بينه
وبين التوبة أو يؤيسه من رحمة الله، فيلقى الله وهو ساخط عليه. قال القرطبي :
"إن العبد إذا كان عند الموت قعد عنده شيطانان، الواحد عن يمينه والآخر عن
شماله، فالذي عن يمينه على صفة أبيه، يقول له: يا بني! إني كنت عليك شفيقاً ولك
محباً، ولكن مت على دين النصارى فهو خير الأديان، والذي على شماله على صفة أمه،
تقول له: يا بني! إنه كان بطني لك وعاء، وثديي لك سقاء، وفخذي لك وطاء، ولكن مت
على دين اليهود وهو خير الأديان" (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة
29-30)
ولكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "أما عرض الأديان على العبد وقت
الموت فليس هو أمرا عاما لكل أحد، ولا هو أيضا منتفيا عن كل أحد، بل من الناس من
تعرض عليه الأديان قبل موته، ومنهم من لا تعرض عليه، وقد وقع لأقوام، وهذا كله من
فتنة المحيا والممات التي أمرنا أن نستعيذ منها في صلاتنا" (مجموع الفتاوى
4/255).
وإن لم يستطع الشيطان أن يحرف المسلم
عن دينه عند الموت ذكَّره بمعاصٍ كان يَأْلَفها؛ ولذا أُثِر عن بعض الذين كانوا
يُصرون على المعاصي أنهم ينطقون بها عند موتهم، كما ذكر ابن القيم أن رجلًا
ممن كان يتعاطى الربا، ذُكِّر بلا إله إلا الله عند موته، فرد الثلاثة عشر بأربعة
عشر، منطق الربا الذي تعوَّده. وإذا عرف المسلم أنه على موعد مع كرب عظيم عند
الاحتضار، استعد لذلك اليوم، فإذا رأى الله تعالى منه صدق النية، صرف عنه الغواية،
فلا يظنن أحد السوء بالله تعالى، فهو عدل كريم، لا يخذل عبده المؤمن، والأغلب في
سوء الخاتمة أنها لا تقع إلا لمن في طويته فساد أو ارتياب أو المصرّ على الكبائر.
وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا
محمد وعلي آله وصحبه وسلم
ومعرفه باقي طرق اغواء الشيطان لبني
آدم وحيله في اضلالهم اضغط هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق